أخي المسلم زائر هذا المنتدى ومتصفح هذه الصفحات ..
أحمد لله تعالى جل جلاله الذي أرشدك إلى ملتقى خير تزول به شبهات النفوس ووساوسها ، وتلتأم به جراحات القلوب وكلومها ، ويعز الله به شرائع دينه ، ويظهر براهين حججه ، ويدمغ به جباه خصومه ، ويزهق به باطل عداته . فإذا بالحق قد تلألأت أنواره ، وانتظمت في سلك الظهور جواهره ، وقد أقر عيونا وقلوبا في سعادة الإيمان ، وأردى من صد عنه وارتد في هوة الخسران ، وأذاقهم ضنك الشقاء والحرمان .
فأهلا بمقدمك ، ومرحبك بمنزلك بيننا ، فقد نزلت خير منزل ، وضِفت عند خير مضيف ، لا يضيفونك كُسَعاً جَبِيَزاتٍ مُعَشِّشاتٍ ، وإنما قدورا من شهي العلوم راسيات ، فنور الله لك الأبصار والبصائر ، وآتاك من العلم والإيمان الكنوز والذخائر .
وإذ قد جئت تطلب علما مؤصلا ، وتبغي جوابا مفصلا ، وتستهدي الله إيمانا ويقينا ، وتسترشد إخوانك طريقا لاحبا مستقيما ، وترجو جهاد من عاند الحق وكابره ، ومراغمة أنوف من راغم الدين فما أكبره ، فنقول لك في ذلك قولا جامعا ، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وذلك باتباع نور الله والكتاب المبين .
فعليك وفقك الله لمرضاته الاجتهادَ عند ارتيادِك صفحاتِ هذا المنتدى في تعلم الدين ، فإن تعلمه فريضة واجبة ، وشرعة لازمة، وإن معرفته أساس النجاة من كل شبهة ، ودافع عنك كل ضلالة ، وعاصمك برحمة الله من كل قاصمة ، ومثبتك على سواء السبيل، وواقيك من كل مزلة ومدحضة . وفي تعلمك الدين أيضا : غيض لعدوك من الشياطين ، وسخنة عين لهم ، وكاوية على قلوبهم وجنوبهم . وقارعة تحل برؤوسهم ، وتصدع بوقعها أنفسهم الخواء ، وقلوبهم الهواء ، ومزاعمهم الهراء .
أما تعلم الشبهات واستماعها مع نقصان العلم بالدين فَضَّلٌة مُضلة ومهواة مزلة ، تردي الإنسان في غواية الهاوية ، وتلك - صانك الله بحفظه - خطة سوء يستدرج بها الشيطان أوليائه ، ويفتن بها من تسمَّع لها بقلوب خالية ، أعاذك الله من الوقوع في شباكه ، والتعلق بشراكه .
فتعلم وفقك الله شرائع الدين تكن لك دِرءا ورِدءا كالدرع المضاعف المتين ، وتفهمْ حججه تهزمْ الباطل ولججه ، وتدبرْ القرآن يكن لك الغلبة عند معترك الأقران ، وتتبعْ السنة الصحيحة تكن لك الحجة الرجيحة . وعليك بصحة المعتقد فعليه في الدنيا والآخرة المعتمد ، فتعلمه وتدبره واعرف دلائله وتفكر في براهينه تجدْ فيه سعادة الدارين وطمأنينة القلب وسكينة النفس .
وإياك إياك وأنت في هذا الطور من التعلم وطلب الهدى من أن تعكر صفوه بكدر النظر في كفر المستهزئين ، واستهزاء الكافرين ، فإن مخالطة مريض القلب أشد أثرا من مخالطة طريح الجَرَب ، ففرْ من فساد قلوبهم إلى صلاح قلبك ، حتى إذا كان على قلبك من حقائق الدين وبراهينه حصون وأسوار ، ولك من الإيمان عساكر ودساكر ، ولك في العلم منابر ومنائر ، فامتشق أحدَّ سيوفك ، وارتفق أقوى رماحك ، واركض بفرس همتك في ميدان القتال ، وصح في جمع الكافرين : النزال النزال ، تجدْ جمعهم من تفرقهم كسير ، وواحدهم من تبلبلهم حسير . فإن بدا لك أحد منهم بعد طول تردد ، وقليل تقدم وكثير تأخر ، فأرسل عليه بوارق القرآن وصواعقه ، ودُكَّ برياحه المرسلة بالعذاب لأعدائه مساكنه ومواقعه . وأردف عليه من حججه بالرادفة التي تجف منها قلوبُ المكذبين حقائقَه .
حتى إذا ساخت في الأرض قوائمه ، وبان عن بدنه رأسه وجوانبه ، ووقع بقية الجمع في هول الخوف وسطوة الجزع ، فأرسل عليهم من عسكر الإيمان كردوسا فكردوسا ، وأجري فرسان براهين العقول تحصد منهم رؤوسا ونفوسا ، فإذا بأرض شبهتهم بلاقع ، وإذا بدارهم قد حل بها البلاء الواقع ، بلاء ما له من دافع ، وما لجمعهم بعد تفرقهم في البلاد من جامع ، ولا لواسع خرقهم من راقع . فهم بين رقيع ومتراقع .
فأعز الله بك شريعته لمَّا أقبلت عليها معظما متعلما راجيا ، ورفع ذكرك بالخير عاليا لما أعليت كتابه في نفسك وذكرت الذكر الحكيم متدبرا وتاليا . وصدح اسمك في سماء الشرفاء حين صدحت بقرآنه مرتلا متغنيا ، وتلوته ممتثلا أوامره متبعا قرآنه خاشعا مصغيا .
ونصر الله بك دينه لمَّا عكفت على حديث نبيه صلى الله عليه وسلم سامعا ومبلغا وواعيا ، وعشت في سيرته صلى الله عليه وسلم وأخباره وكلماته أياما ولياليا ، وتنفست من أنفاس أحاديثه نفائس فاقت جواهرا وكنوزا غواليا . وصرت بحديثه صلى الله عليه وسلم حافظا وعارفا وداريا .
فحيهلا على حدائق القرآن ومغانيه ، وحقائق الفرقان ومعانيه ، وجواهر حديثه صلى الله عليه وسلم وبِدَرِه ، وللآليء حِكَمِه وسيره.
واغدُ من ساعتك هذه على قسم العقيدة والتوحيد وقسم السنة وعلومها، فانهلْ من مواردها ماءا عذبا زلالا تحيى به نفوس أهل التوحيد ، ويتنغش به محياهم ، وتجري به في عروقهم دماء حياة الإيمان جري السيول الهادرة في وديانها .
واملأ نفسك من عبير الوحي وعلوي القول ، وأحسن الحديث ، وأصدق القيل .
ونزه قلبك في بساتين معارف القرآن الوارفة ، متنزها بنفسك عن زور كل أفاك أثيم تتنزل عليه الشياطين ، وتاركا - إنكارا منك - خوض الخائضين في السخرية والاستهزاء بدين رب العالمين ، الذي خلق الإنسان من ماء مهين وأوجده من نطفة فإذا هو خصيم مبين .
هذه نصيحة محب مشفق ، ووصية صديق يصدقك القول وينذرك الإبلاس والإفلاس ، لا من يجرؤك على ما يضرك ويقول لك ختلا وخداعا : لا باس ولا تاس .
فاعضض على العلم بناجذيك ، واطلب الهدى من ربك يأتك .
ولا تكن ممن خسر دينه ودنياه فاتبع هواه حتى أرداه .
سلمني الله وإياك من ختل المارقين ، وأخاديع المنافقين ، ووساوس الشياطين . وأرانا الحق حقا بينا لائحا عليه نوره وهداه ، ورزقنا اتباعه ونصرته ومحبته .
وأرانا الباطل باطلا قد لوح به الكلوح وتساقطت عنه زخارف التدليس لا تخفى على ناظر، ولا تروج عليه تلك المناظر ، ورزقنا اجتناب الباطل ، وجهاده بالقلب واليد واللسان ، على حسب الوسع والإمكان .
والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله وآله وصحبه ومن كان له تابعا وناصرا .